الفعل في اللغة العربية
 |
| الفعل في اللغة العربية - عمود اللغة وأصل البيان |
إن الفعل في اللغة العربية هو عمود اللغة وأصل البيان، وهو الذي يدور عليه المعنى وبه تُفهم المقاصد. وللفعل في اللغة العربية مكانة خاصة، فهو يُعَدُّ من أهم أركان الجملة العربية، بل هو ركنها الركين، إذ لا تُبنى جملة في اللغة العربية إلا به، فهو مركز الجملة ومحورها الذي تدور حوله بقية الأركان.
والفعل في اللغة العربية له خصائص تميزه عن غيره من مكونات اللغة، فهو يدل على حدث أو حالة أو نشاط يقوم به الفاعل، وهذا ما يميزه عن الاسم الذي يدل على شيء ثابت أو معلوم. كما أن الفعل يتميز بخصائص صرفية ونحوية خاصة، تجعل منه عنصراً حيوياً في تركيب الجمل وبناء المعاني.
وفي هذا المقال الحصري، سنأخذك في رحلة شيقة لاستكشاف عالم الفعل في اللغة العربية، وسنغوص في أعماق هذا الركن الأساسي من أركان اللغة، لنتعرف على أنواعه وصيغه، وأزمنته، وأوجه استخدامه، وأسرار بلاغته، وأثره في الأدب العربي.
أنواع الفعل في اللغة العربية
قبل أن نبدأ في استكشاف عالم الفعل، علينا أولاً أن نتعرف على أنواعه، فهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الأفعال في اللغة العربية، وهي: الفعل الماضي، والفعل المضارع، والفعل الأمر.
الفعل الماضي
يُعَدُّ الفعل الماضي أبسط أنواع الأفعال من حيث الصيغة، فهو يدل على حدث وقع في الزمن الماضي وانتهى. ويتم بناء الفعل الماضي في اللغة العربية بإضافة حرف من حروف "كان" (ك، ي، ء) إلى آخر الفعل، مثل: "كتبَ، شربَ، ذهبَ".
ومن خصائص الفعل الماضي أنه يخلو من الإعراب، فهو مبني دائمًا على الفتح، إلا إذا اتصلت به تاء الفاعل المؤنثة، مثل: "كتبتْ"، أو إذا كان معتل الآخر، مثل: "بدأ".
الفعل المضارع
الفعل المضارع هو ما دل على حدث يقع في الزمن الحاضر أو المستقبل، وهو بذلك يعبر عن حدث غير مكتمل أو مستمر. ويتم بناء الفعل المضارع بإضافة أحد حروف المضارعة (ن، ت، ي، ى) إلى آخر الفعل، مثل: "يكتبُ، تشربينَ، يذهبَان".
والفعل المضارع هو أكثر أنواع الأفعال إعرابًا، فهو يُعرَب حسب موقعه في الجملة، فيُرفَع إذا كان في موقع رفع، ويُنصَب إذا كان في موقع نصب، ويُجزَم إذا كان في موقع جزم.
فعل الأمر
فعل الأمر هو ما يُطلب به حدوث الفعل، وهو بذلك يعبر عن أمر أو طلب أو دعوة للقيام بعمل ما. ويأتي فعل الأمر بصيغة المجرد من حروف المضارعة، مثل: "اكتبْ، اشربِ، اذهبَا".
وفعل الأمر مبني دائمًا، فهو مبني على السكون إذا كان صحيح الآخر، مثل: "اكتبْ"، وعلى حذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر، مثل: "اذهبَ".
شاهد ايضا: المفعول المطلق | تعريفه، وأنواعه، وأحكامه، وأسراره البلاغية
صيغ الفعل في اللغة العربية
تتعدد صيغ الفعل في اللغة العربية، وتختلف باختلاف الزمن الذي يدل عليه الفعل، وعدده، وشخصه. وفيما يلي سنستعرض أهم صيغ الفعل في اللغة العربية:
1- الصيغة الفعلية: وهي الصيغة الأساسية للفعل، وتتكون من حرفين فأكثر، مثل: "كتبَ، يكتبُ، اكتبْ".
2- الصيغة الاسمية: وهي صيغة الفعل عندما يدخل عليه أحد النواسخ (كان وأخواتها، إن وأخواتها، ظن وأخواتها)، فيرفع فاعلاً ويسمى اسمًا، وينصب مفعولاً به ويسمى خبرًا، مثل: "كان الكتابُ مكتوبًا".
3- صيغة المصدر: المصدر هو اسم يدل على الحدث مجردًا من الزمن، مثل: "الكتابة، الشرب، الذهاب".
4- صيغة اسم الفاعل: اسم الفاعل هو اسم يدل على من قام بالفعل، مثل: "كاتب، شارب، ذاهب".
5- صيغة اسم المفعول: اسم المفعول هو اسم يدل على من وقع عليه الفعل، مثل: "مكتوب، مشروب، مذْهوب".
6- الصيغة المشتقة: وهي الصيغ التي تشتق من الفعل، مثل صيغة الصفة المشبهة (كاتبٌ، جميلٌ)، وصيغة اسم التفضيل (أفعل التفضيل)، وصيغة صفة الفعل (مكتوبٌ، مكتوبةٌ، مكتوبونَ).
أزمنة الفعل في اللغة العربية
يأتي الفعل في اللغة العربية في ثلاثة أزمنة رئيسية، هي: الماضي، والحاضر، والمستقبل.
الزمن الماضي:
يُعبَّر عن الزمن الماضي بالفعل الماضي، وهو ما يدل على حدث وقع وانتهى في الزمن الماضي، مثل: "ذهبَ الولدُ إلى المدرسةِ".
الزمن الحاضر:
يُعبَّر عن الزمن الحاضر بالفعل المضارع، وهو ما يدل على حدث يقع في الحاضر أو المستقبل، مثل: "الولدُ يذهبُ إلى المدرسةِ كل يومٍ".
الزمن المستقبل:
يُعبَّر عن الزمن المستقبل بعدة صيغ، منها:
- الفعل المضارع: يمكن أن يدل الفعل المضارع على المستقبل إذا دل على حدث سيقع في المستقبل، مثل: "سأذهبُ إلى المدرسةِ غدًا".
- الفعل المضارع المنصوب: وذلك بأن يسبقه حرف نصب مثل "أن"، فيقال: "أريد أن أذهبَ إلى المدرسةِ".
- الفعل المضارع المرفوع: وذلك بأن يسبقه حرف رفع مثل "سوف"، فيقال: "سوف أذهبُ إلى المدرسةِ".
- صيغة المستقبل: وهي صيغة تُكوَّن من فعل "سوف" مضافًا إليه الفعل المضارع، مثل: "سوف أكتبُ".
شاهد ايضا المقال التالي: المعرب والمبني | ركنا النحو العربي وأساس فهم اللغة
أوجه استخدام الفعل في اللغة العربية
يُستخدم الفعل في اللغة العربية في عدة سياقات وأغراض، ومن أهم أوجه استخدامه:
- الفعل والزمن:
يُستخدم الفعل في اللغة العربية للتعبير عن الزمن، سواء كان ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبلاً، كما أن صيغة الفعل يمكن أن تدل على استمرارية الحدث أو تكراره أو حدوثه مرة واحدة.
- الفعل والفاعل:
يُستخدم الفعل لربط الفاعل بالحدث، فهو يدل على من قام بالفعل أو من وقع عليه الفعل، مثل: "كتبَ الولدُ الدرسَ".
- الفعل والمفعول به:
يُستخدم الفعل لربط المفعول به بالحدث، فهو يدل على من وقع عليه الفعل بشكل مباشر، مثل: "كتبَ الولدُ الرسالةَ".
- الفعل والصفة:
يمكن أن يأتي الفعل في صيغة اسم الفاعل أو اسم المفعول ليعمل عمل الصفة، فيوصف به شخص أو شيء، مثل: "الولدُ الكاتبُ، رسالةٌ مكتوبةٌ".
- الفعل وظروف الزمان والمكان:
يُستخدم الفعل مع ظروف الزمان والمكان لبيان وقت أو مكان وقوع الحدث، مثل: "ذهبَ الولدُ إلى المدرسةِ أمسِ".
- الفعل والغرض:
يمكن أن يُستخدم الفعل لبيان غرض أو هدف الفاعل من القيام بالفعل، وذلك بإضافة حرف "لام" الغرض إلى الفعل، مثل: "ذهبتُ للدراسةِ".
بلاغة الفعل في اللغة العربية
يُعَدُّ الفعل من أهم عناصر البلاغة في اللغة العربية، فهو يضفي على الجملة قوةً وتعبيرًا، ويجعل المعنى أكثر وضوحًا وجمالاً. وفيما يلي بعض أسرار بلاغة الفعل في اللغة العربية:
1- التعبير عن المشاعر:
يُستخدم الفعل للتعبير عن المشاعر والعواطف، فالفعل المضارع مثلاً يدل على الحال والاستمرارية، مما يعطي انطباعًا بالحيوية والحركة، مثل: "أحبُكَ، أشتاقُ إليكَ".
2- التصوير والتجسيد:
يُستخدم الفعل لتصوير الحدث وتجسيده، فالفعل الماضي يدل على حدث وقع وانتهى، مما يعطي انطباعًا بالثبات والقوة، مثل: "هزمَ الجيشُ العدوَّ".
3- الإيجاز والإطناب:
يمكن أن يُستخدم الفعل في الإيجاز، وذلك بحذف أحد مكونات الجملة والاكتفاء بالفعل للدلالة على المعنى، مثل: "نجحَ الطالبُ" بدلاً من "نجحَ الطالبُ في الامتحانِ". كما يمكن أن يُستخدم في الإطناب، وذلك بتكرار الفعل أو استخدام صيغ متعددة منه للتأكيد أو التوكيد، مثل: "سأفعلُ وسأفعلُ".
4- التعبير عن الرغبة:
يُستخدم الفعل للتعبير عن الرغبة أو النية في القيام بعمل ما، وذلك باستخدام صيغة "فعل التعجب"، مثل: "أريدُ أن أذهبَ، أودُّ أن ألعبَ".
5- التعبير عن الالتماس:
يُستخدم الفعل للتعبير عن الالتماس أو الطلب بلطف، وذلك باستخدام صيغة "فعل الالتماس"، مثل: "ليتَكَ تكتبُ الدرسَ".
أثر الفعل في الأدب العربي
للفعل في اللغة العربية أثر كبير في الأدب العربي، فقد استخدمه الأدباء والشعراء ببراعة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، وصنعوا به أجمل الصور البلاغية وأقواها تأثيرًا. وفيما يلي بعض الأمثلة على أثر الفعل في الأدب العربي:
في الشعر العربي
استخدم الشعراء العرب الفعل ببراعة للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم، فنجد الشاعر "عنترة بن شداد" يستخدم الفعل الماضي للتعبير عن حبه وشوقه، فيقول:
> "بلوتُ بها غَيرَ خُلُوقٍ فرابَني *** ما أوْجَعَ القلبَ منها حينَ تَرْحَلُ"
كما استخدم الشاعر "المتنبي" الفعل المضارع للتعبير عن الفخر والاعتزاز، فيقول:
> "أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي *** وأسْمَعَتْ كلماتِي مَنْ به صَمَمُ"
في النثر العربي
استخدم الأدباء العرب الفعل في نثرهم بطرق مبتكرة ومتنوعة، فنجد الكاتب "نجيب محفوظ" يستخدم الفعل الماضي في روايته "اللص والكلاب" للتعبير عن حدث وقع وانتهى، مما يضفي جوًا من الغموض والإثارة، فيقول:
> "خرجَ من السجنِ بعدَ عشرِ سنواتٍ، ليجدَ عالَمًا مختلفًا ينتظره".
كما استخدمت الكاتبة "غادة السمان" الفعل المضارع في مقالها "رسالة إلى رجلٍ ميتٍ" للتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها تجاه شخص غائب، فتقول:
> "أكتبُ إليكَ وأنا أعلمُ أنكَ لن تقرأَ رسائلي أبدًا، لكنني أكتبُ لأنني أحتاجُ إلى أن أشعرَ بوجودكَ في حياتي ولو من خلال حروفٍ على ورقٍ".
خاتمة
الفعل في اللغة العربية هو عمود اللغة وأصل البيان، وهو ركن أساسي من أركان الجملة العربية، وبه تدور المعاني وتتضح المقاصد. وللفعل في اللغة العربية خصائص وأسرار بلاغية تميزه عن غيره من مكونات اللغة، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في الأدب العربي.
وفي هذا المقال، سلطنا الضوء على عالم الفعل في اللغة العربية، واستكشفنا أنواعه وصيغه، وأزمنته، وأوجه استخدامه، وأسرار بلاغته، وأثره في الأدب العربي. وختامًا، فإن فهم الفعل واستخدامه بشكل صحيح يُعَدُّ مفتاحًا لفهم اللغة العربية وإتقانها، وبوابةً للدخول إلى عالم الأدب العربي الثري والمتنوع.